footer image footer image

البرمجة الشعورية (Vibe Coding): لماذا قد تدمر مسار المطورين المبتدئين؟

الرئيسية |
البرمجة الشعورية (Vibe Coding): لماذا قد تدمر مسار المطورين المبتدئين؟

08

Oct 2025

المؤلف: عمر محمود

الوظيفة: المؤسس الشريك ومدير التكنولوجيا

البرمجة الشعورية (Vibe Coding): لماذا قد تدمر مسار المطورين المبتدئين؟

في عام 2025، لم تعد البرمجة كما كانت. ظهرت موجة جديدة يقودها الذكاء الاصطناعي، جعلت كتابة الكود أسهل من أي وقت مضى — وربما أخطر من أي وقت أيضاً. نتحدث هنا عن "البرمجة الشعورية" (Vibe Coding)، ظاهرة باتت تهدد بنية التعلم البرمجي ذاتها، خصوصاً للمطورين المبتدئين.


ما هي البرمجة الشعورية؟

هي أسلوب برمجة يعتمد كلياً على أدوات الذكاء الاصطناعي في توليد الكود، دون أي محاولة من المطور لفهم ما يحدث وراء الكواليس. يقوم المطور فقط بوصف المطلوب بلغة طبيعية — مثل “أنشئ لي تطبيق دردشة” — ثم ينسخ الناتج ويلصقه مباشرة، مكتفياً بـ الشعور بأن كل شيء يعمل… دون وعي بالمنطق أو الهيكل البرمجي الحقيقي.

إنها برمجة بالمظهر لا بالجوهر، ونتيجتها مطورون يجيدون “التحدث إلى الذكاء الاصطناعي” أكثر من “التفكير كمهندسين”.


لماذا تشكل هذه الممارسة تهديداً حقيقياً؟

1. تآكل المهارات الأساسية

الاعتماد الزائد على الذكاء الاصطناعي يؤدي إلى ضمور المهارات الجوهرية مثل تصميم الأنظمة (Architecture)، تصحيح الأخطاء (Debugging)، وتحليل المشكلات. ومع الوقت، يفقد المطور قدرته على التفكير البرمجي العميق، فيتحول من مبدع إلى مستهلك للأدوات.


2. وهم الإنتاجية

يشعر الكثيرون أن الذكاء الاصطناعي يجعلهم أكثر إنتاجية، لكن الإحصاءات تكشف العكس. فالوقت الذي يتم توفيره في الكتابة يُهدر لاحقاً في مراجعة الكود وتصحيح الأخطاء التي تولدها الأدوات، ما يجعل الإنتاجية الفعلية أقل مما تبدو عليه.


3. مخاطر أمنية كارثية

ما يصل إلى 40٪ من الكود المُولد آلياً قد يحتوي على ثغرات أمنية خطيرة. وعندما يستخدم المبتدئون كوداً لا يفهمونه، يصبح من السهل تمرير أخطاء قاتلة — من تسريبات بيانات إلى نقاط اختراق يمكن استغلالها.


4. الدَيْن التقني (Technical Debt)

الكود المُولد آلياً يعمل غالباً في “المسار السعيد” فقط — أي الحالات المثالية — بينما يتجاهل معالجة الأخطاء والحالات الخاصة. هذا يؤدي إلى تراكم ديون تقنية ضخمة يصعب سدادها مستقبلاً، وتتحول المشاريع إلى قنابل زمنية تقنية.


معضلة المطورين المبتدئين

جيل كامل من المطورين الجدد يواجه معضلة حقيقية: هل يتعلم البرمجة بالطريقة الصعبة (المنهجية التقليدية)، أم يعتمد على الذكاء الاصطناعي الذي يقدم له نتائج فورية وسريعة؟

المشكلة أن الطريق السهل يُكسبهم شعوراً زائفاً بالكفاءة، لكنه يحرمهم من بناء البنية الذهنية التي يحتاجها أي مهندس برمجيات ناجح — فهم الأنماط، تحليل الأخطاء، التفكير الخوارزمي. وفي سوق العمل، هذا يعني جيلاً من المطورين يعرف كيف يستخدم الأدوات، لكنه لا يعرف كيف تُبنى الأدوات.


كيف سيؤثر ذلك على صناعة البرمجيات؟

ظاهرة البرمجة الشعورية لن تضر الأفراد فقط، بل ستعيد تشكيل الصناعة بالكامل:

  • انخفاض جودة الكود على مستوى السوق، مما يعني منتجات أكثر هشاشة وأعطالاً متكررة.
  • زيادة الديون التقنية في الشركات، حيث سيُبنى الكثير من الأنظمة على كود لا يمكن صيانته أو فهمه بعمق.
  • اختفاء الخبرة الوسطى (Mid-level Developers)، إذ سيجد المطورون الجدد صعوبة في التدرج من المستوى المبتدئ إلى المحترف.
  • اعتماد مفرط على الشركات المزودة للأدوات الذكية، مما يخلق احتكاراً غير مباشر في صناعة البرمجيات.

المسار الأمثل: كن الطيار لا الراكب

الذكاء الاصطناعي أداة قوية، لكنه يجب أن يكون مساعداً (Co-pilot) لا طياراً آلياً (Autopilot).

✅ ركّز على بناء الأساسيات البرمجية بقوة: الخوارزميات، هياكل البيانات، التفكير المنطقي.

✅ استخدم الذكاء الاصطناعي لتسريع المهام المتكررة، لا لاستبدال عملية التعلم.

✅ لا تنسخ أي كود دون أن تفهم لماذا يعمل وكيف يعمل.


الخلاصة

البرمجة الشعورية قد تبدو الطريق السهل، لكنها في الواقع طريق مختصر نحو الجهل التقني. المطور الحقيقي ليس من يكتب الكود بسرعة، بل من يفهم النظام الذي يبنيه ويثق في كل سطرٍ فيه. استخدم الذكاء الاصطناعي بحكمة، وتذكّر:

«الكود الذي لا تفهمه… ليس كودك.»

WhatsApp Icon